الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
المجلد الرابع تابع: أمر محيصة وحويصة قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة عن أبي عمرو المدني ، قال لما ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة أخذ منهم نحو من أربعمائة رجل من اليهود ، وكانوا حلفاء الأوس على الخزرج ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تضرب أعناقهم ، فجعلت الخزرج تضرب أعناقهم ويسرهم ذلك ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخزرج ووجوههم مستبشرة ، ونظر إلى الأوس فلم ير ذلك فيهم ، فظن أن ذلك للحلف الذي بين الأوس وبين بني قريظة ، ولم يكن بقي من بني قريظة إلا اثنا عشر رجلا فدفعهم إلى الأوس ، فدفع إلى كل رجلين من الأول رجلا من بين قريظة وقال : ليضرب فلان وليذفّف فلان فكان ممن دفع إليهم كعب بن يهوذا ، وكان عظيما في بني قريظة فدفعه إلى محيصة بن مسعود وإلى أبي بردة بن نيّار - وأبو بردة الذي رخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يذبح جذعا من المعز في الأضحى - وقال ليضربه محيصة وليذفف عليه أبو بردة ،فضربه ضربة لم تقطع ، وذفف أبو بردة فأجهز عليه ، فقال حويصة : - وكان كافراً - لأخيه محيصة : أقتلت كعب بن يهوذا ؟ قال : نعم ، فقال حويصة ، أما والله لرب شحم قد نبت في بطنك من ماله ، إنك للئيم يا محيصة ، فقال له محيصة : لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك فعجب من قوله ثم ذهب عنه متعجباً . فذكروا أنه جعل يتيقظ من الليل ، فيعجب من قول أخيه محيصة . حتى أصبح وهو يقول : والله إن هذا لدين . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ،فقال محيصة في ذلك أبياتا قد كتبناها . قال ابن إسحاق : وكانت إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعد قدومه من نجران ، جمادى الآخرة ورجبا وشعبان وشهر رمضان ، وغزته قريش غزوة أحد في شوال ، سنة ثلاث . وكان من حديث أحد ، كما حدثني محمد بن مسلم الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبدالرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد ، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا ، أومن قال منهم : لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب ، ورجع فلُّهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره ، مشى عبدالله بن أبي ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش ، ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم يوم بدر ، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمدا قد وتركم ، وقتل خياركم ، فأعينونا بهذا المال على حربه ، فعلَّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا ، ففعلوا. قال ابن إسحاق : ففيهم ، كما ذكر لي بعض أهل العلم ، أنزل الله تعالى : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ، والذين كفروا إلى جهنم يحشرون " فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان بن حرب ، وأصحاب العير بأحأبيشها ، ومن أطاعها من قبائل كنانة ، وأهل تهامة ، وكان أبو عّزة عمرو بن عبدالله الجمحي قد منّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وكان فقيرا ذا عيال وحاجة وكان في الأسارى فقال : إني فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن علي صلى الله عليك وسلم ، فمنّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صفوان بن أمية يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك فأخرج معنا ،فقال : إن محمداً قد منّ علي فلا أريد أن أظاهر عليه ، قال بلى فأعنا بنفسك فلك الله علي إن رجعت أن أغنيك ، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر ، فخرج أبو عزة في تهامة ويدعو بني كنانة ويقول : أيها بني عبد مناة الرُزَّام * أنتم حماة وأبوكم حام لا تعدوني نصركم بعد العام * لا تسلموني لا يحلُّ إسلام وخرج مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بني مالك بن كنانة يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا مال ، مال الحسب المقدَّم * أنشد ذا القربى وذا التّذمُّم من كان ذا رحم ومن لم يرحم * الحلف وسط البلد المحّرم ودعا جبير بن مطعم غلامًا له حبشيًا يقال له : وحشي يقذف بحربة له قذف الحبشة ، قلما يخطئ بها ، فقال له : أخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عمّ محمد بعمّي طعيمة بن عدي ،فأنت عتيق . فخرجت قريش بحدّها وجدّها وحديدها وأحأبيشها ،ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة ،وخرجوا معهم الظعن ،التماس الحفيظة ،وألا يفروا . فخرج أبو سفيان بن حرب ، وهو قائد الناس . بهند بنة عتبة وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة ، بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة ، وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت مسعود بن عمر بن عمير الثقفية ، وهي أم عبدالله بن صفوان بن أمية . قال ابن هشام : ويقال رقيّة . قال ابن إسحاق : وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج ، وهي أم عبدالله بن عمرو ، وخرج طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة عبدالله بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية ، وهي أم بني طلحة : مسافع والجلاس وكلاب ، قتلوا يومئذهم وأبوهم ، وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب ، إحدى نساء بني مالك بن حسل مع ابنها أبي عزيز بن عمير ، وهي أم مصعب بن عمير ، وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، وكانت هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها ، قالت : ويها أبا دسمة اشف واستشف ، وكان وحشي يكنى بأبي دسمة ، فأقبلوا حتى نزلوا بعينين ، بجبل ببطن السبخة ، من قناة على شفير الوادي ، مقابل المدينة . قال : فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين : إني قد رأيت والله خيرا ، رأيت بقرا ، ورأيت في ذباب سيفي ثلما ، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة ، فأولتها المدينة . قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رأيت بقرا لي تذبح ، قال : فأما البقر فهي ناس من أصحابي يقتلون ، وأما الثلم الذي رأيت في ذباب سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل . قال ابن إسحاق : فإن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، فإن أقاموا أقاموا بشرِّ مقام ، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها ، وكان رأي عبدالله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى رأيه في ذلك ، وألا يخرج إليهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج ، فقال رجال من المسلمين ، ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيره ، ممن كان فاته بدر : يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا ، لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا ، فقال عبدالله بن أبي ابن سلول : يا رسول الله ، أقم بالمدينة لا نخرج إليهم ، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منَّا ، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منهم ، فدعهم يا رسول الله ، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا . فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم ، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ، فلبس لأْمته ، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة . وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له : مالك بن عمرو ، أحد بني النجار ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج عليهم ، وقد ندم الناس ، وقالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لنا ذلك . فلما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا رسول الله : استكرهناك ولم يكن ذلك لنا ، فإن شئت فاقعد صلى الله عليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل " فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه . قال ابن هشام : واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس . قال ابن إسحاق : حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد انخذل عنه عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الناس ، وقال : أطاعهم وعصاني ، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس ، فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب ، واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام ، أخو بني سلمة ، يقول : يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم ، فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال . قال فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم ، قال : أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه . قال ابن هشام : وذكر غير زياد ، عن محمد بن إسحاق عن الزهري : أن الأنصار يوم أحد ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود ؟ فقال : " لا حاجة لنا فيهم " . قال زياد : حدثني محمد بن إسحاق ، قال : ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة ، فذبَّ فرسه بذنبه ، فأصاب كَلاَّب سيف فاستلَّه . قال ابن هشام : ويقال كِلابُ سيف . قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان يحب الفأل ولا يعاتف - لصاحب السيف : شِم سيفك ، فإني أرى السيوف ستسل اليوم . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : مَن رجل يخرج بنا على القوم من كثب - أي من قرب - من طريق لا يمر بنا عليهم ؟ فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث : أنا يا رسول الله . فنفذ به في حرة بني حارثة ، وبين أموالهم ، حتى سلك في مال لمربع بن قيظي ، وكان رجلا منافقا ضرير البصر ، فلما سمع حِس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين ، قام يحثي في وجوههم التراب ، ويقول : إن كنت رسول الله ، فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي . وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال : والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك . فابتدره القوم ليقتلوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتلوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب ، أعمى البصر " وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني عبدالأشهل ، قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ، فضربه بالقوس في رأسه فشجه . قال : ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد ، في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ، وقال " لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال " وقد سرَّحت قريش الظهر والكراع ، في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين ، فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال : أترعى زروع بني قيلة ، ولمَّا نضارب ؟ وتعبىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال . وهو في سبعمائة رجل ، وأمَّر على الرماة عبدالله بن جبير ، أخا بني عمرو بن عوف ، وهو مُعلم يومئذ بثياب بيض ، والرماة خمسون رجلا فقال ، " انضح الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا ، فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك " وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخي بني عبدالدار . قال ابن هشام : وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ، ورافع بن خديج ، أخا بني حارثة ، وهما ابنا خمس عشرة سنة ، وكان قد ردهما ، فقيل له : يا رسول الله إن رافعا رامٍ فأجازه ، فلما أجاز رافعا قيل له : يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا ، فأجازه . وردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسامة بن زيد ، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، أحد بني مالك بن النجار ، والبراء بن عازب ، أحد بني حارثة ، وعمرو بن حزم أحد بني مالك بن النجار ، وأسيد بن ظهير أحد بني حارثة ، ثم أجازهم يوم الخندق ، وهم أبناء خمس عشرة سنة . قال ابن إسحاق : وتعبأت قريش ، وهم ثلاثة آلاف رجل ، ومعهم مئتا فرس قد جنبوها ، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام إليه رجال ، فأمسكه عنهم ؛ حتى قام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة ، أخو بني ساعدة ، فقال : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : أن تشرب به العدو حتى ينحني ؛ قال : أنا آخذه يا رسول الله بحقه ، فأعطاه إياه . وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب ، إذا كانت ، وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء ، فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل ، فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخرج عصابته تلك ، فعصب بها رأسه ، وجعل يتبختر بين الصفين . قال ابن إسحاق : فحدثني جعفر بن عبدالله بن أسلم ، مولى عمر بن الخطاب ، عن رجل من الأنصار من بني سلمة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين رأى أبا دجانة يتبختر : إنها لمشية يبغضها الله ، إلا في مثل هذا الموطن . قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن أبا عامر ، عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان ، أحد بني ضبيعة ، وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، معه خمسون غلاما من الأوس ، وبعض الناس كان يقول : كانوا خمسة عشر رجلا ، وكان يعد قريشا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان ؛ فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحأبيش وعبدان أهل مكة ، فنادى : يا معشر الأوس ، أنا أبو عامر ؛ قالوا : فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق - وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية : الراهب ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : الفاسق - فلما سمع ردهم عليه قال : لقد أصاب قومي بعدي شر ، ثم قاتلهم قتالا شديدا ، ثم راضخهم بالحجارة . قال ابن إسحاق : وقد قال أبو سفيان لأصحاب اللواء من بني عبدالدار يحرضهم بذلك على القتال : يا بني عبدالدار ، إنكم قد وليتم لواءنا يوم بدر ، فأصابنا ما قد رأيتم ، وإنما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا ، فإما أن تكفونا لواءنا ، وإما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه ، فهموا به وتواعدوه ، وقالوا : نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غدا إذا التقينا كيف نصنع وذلك أراد أبو سفيان فلما التقى الناس ، ودنا بعضهم من بعض ، قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها ، وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ، ويحرضنهم ، فقالت هند فيما تقول : ويها بني عبدالدار * ويها حماة الأدبار ضربا بكل بتار * وتقول : إن تقبلوا نعانق * ونفرش النمارق أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : أمت ، أمت ، فيما قال ابن هشام : قال ابن إسحاق : فاقتتل الناس حتى حميت الحرب ، وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس . قال ابن هشام : حدثني غير واحد ، من أهل العلم ، أن الزبير بن العوام قال : وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة ، وقلت : أنا ابن صفية عمته ، ومن قريش ، وقد قمت إليه فسألته إياه قبله ، فأعطاه إياه وتركني ، والله لأنظرن ما يصنع ؛ فاتبعته ، فأخرج عصابة له حمراء ، فعصب بها رأسه ، فقالت الأنصار : أخرج أبو دجانة عصابة الموت ، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب بها . فخرج وهو يقول : أنا الذي عاهدني خليلي * ونحن بالسفح لدى النخيل ألا أقوم الدهر في الكَيُّول * أضرب بسيف الله والرسول قال ابن هشام : ويروى : في الكُبُول . قال ابن إسحاق : فجعل لا يلقي أحدا إلا قتله . وكان في المشركين رجل لا يدع لنا جريحا إلا ذفف عليه ، فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه . فدعوت الله أن يجمع بينهما ، فالتقيا ، فأختلفا ضربتين ، فضرب المشرك أبا دجانة ، فاتقاه بدرقته ، فعضت بسيفه ، وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ، ثم عدل السيف عنها . قال الزبير فقلت : الله ورسوله أعلم . قال ابن إسحاق : وقال أبو دجانة سماك بن خرشة : رأيت أنسانا يخمش الناس خمشا شديدا ، فصمدت له ، فلما حملت عليه السيف ولول فإذا امرأة ، فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اضرب به امرأة .
|